خطيئة أم حب (2) - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


خطيئة أم حب (2)
شهرزاد الكلمة – 15\04\2011
أهدي كلمات حلقتي هذه إلى أمي غاليتي، التي عندما قرأت أسطري في الحلقة السابقة نظرت إلي باستهجان، وفتحت فاها مستغربة، وتدوّرت عيناها كحلقات، حتى أنني شبهتها بألتون جون مرتديا نظارته السوداء. فحالها حال الكثير من الناس الذين يعتبرونني جميلة لكن سطحية، أو ساذجة، لا أجيد تمجيد السطور ببلاغة.. ببساطة لأنني ربما لم أكمل دراستي الجامعية. وأخص قرّائي بالشكر، لأن تعقيباتكم حفزتني لأكتب وأكتب. وأنوجه إلى الجميع: إن ما كتبت وسأكتب هو من نسج الخيال الخصب فقط.. فاستمتعوا...

رمقته بنظرة سخط وعتاب تختصر كل التعابير والمفردات، فقال: "حبيبتي سامحيني أحبك"... تابعت صمتي ونظرت إليه لأتمعن تعابيره، أحقا هو نادم؟ وتابع الكلام: "سامحيني رجاء. لم أستطع أن أكبح نفسي. عطرك، بشرتك، جمالك، الحب الكبير. لم أقصد. أرجوك سامحيني. حبنا أسمى وأطهر من النزوات". نظرت إلى عينيه الذابلة بخضرة أوراق شجر الزيتون في نيسان، وأنفه الصغير المحدد المرسوم بإتقان غير مدروس، وشفتاه الممتلئة الحمراء بلون نبيذ "الكبرنيه" الفرنسي المعتق، وشعره المتطاير الأجعد المنسدل حتى كتفيه بعشوائية، وبشرته الهشة الطرية بلون حبات القهوة المحمصة بعناية، وذقنه المشذبة المرتبة كحقل سنابل قمح حصدت للتو. وفكرت في صمت: "من عليه أن يكبح نفسه أيها الساذج، أنا أم أنت!؟ ألم تكن رغباتي جامحة كحصان "ماستينج" بري عنيد غير مروض؟ ألم تستفق من سباتها العتيق بمجرد ملامسة راحة يدك مؤخرة عنقي وخدي؟ ألم تقفز كشامبانزي مذعور حين لامس أنفك أذني وهمست فيها أحبك؟ ألم تصيبني القشعريرة كرجفة برد في حر الصيف؟ ألم توشك إرادتي على الاحتراق كورقة يانصيب خاسرة في مدفأة سكير؟ ألم تعجن كمزيج من الدقيق والبيض والسكر حتى غدت كفتات كعك لاذع؟
قاطع انسياب أفكاري سائلاً: أأنت بخير؟ ما بالك؟ أتصغين إلي؟ وميت برأسي إيجابا وحركت يدي أمام وجهي يمينا ويساراً، محاولة طرد كل الأفكار الشهوانية من رأسي كفقاعات صابون.. ثم تابع قائلاً: أرجوك. إني مجنون فيك. لم أقصد أن أجرح كبرياءك. حبي لك صادق. أنت ستكونين شريكة حياتي. لم أحبّ من قبلك ولن أحبّ سواك. فكرت في ذات نفسي: هل علي أن أبكي الآن وأمثل بأنه لم يحرك مشاعري، وبأنني طاهرة النفس، وأن أفكار النجاسة لم تجتاح عقلي كسرب حمام مهاجر إلى بلاد الغرب؟ وأنه لم يثر بي كماً هائلاً من المشاعر كانت دفينة عميقاً سنين طويلة؟ وأني صاحبة مبادئ في مسائل الجنس قبل الزواج، رافضة الفكرة كلياً؟ أم اعترف له أني كنت سأضعف وأتعرى من الخجل بعد محاولة ثالثة له بتقبيلي ولمسي؟
أخذت نفسا عميقا، وحفاظا على ماء الوجه، انتفضت عن المقعد بسرعة، كأني أنفض غبار الحنين إلى الوطن، ووقفت كطاووس متغطرس نافشاً ريشه الملون الناعم بشموخ، وانهلت عليه كانهيال القصف الإسرائيلي على أطفال غزة، وقلت: ألا تخجل من نفسك؟ كان تصرفك مشين. أنا لست من هذا النوع من الفتيات اللواتي يصرفن انتباههن عن المبادئ والقيم والأخلاق.. احترامي لذاتي هو الأهم ولن أسمح لك بأن تهدم جدار عزتي وسلام نفسي اللذين بنيتهما طوبة طوبة على مر السنين.
واستمر النقاش مطولاً حتى حلّ السكون أخيراً بيننا، وإذ بالأنا بداخلي تقاطع صمت هدنتنا لتقول: أيتها الماكرة لم أعرف أنك تجيدين التمثيل. فلا بد أن هذا المسكين صدق خطابك. لم أجبها بل وجهت كلامي لروح الروح وللألباب قائلة بوقار يوازي وقار نجدت أنزور في مقابلاته: لقد تأخر الوقت، هل ستوصلني؟ ورميت له علبة سجائره، التي يبدو أنني أخذتها بدلا من هاتفي المحمول. لم يعر سخافتي انتباها وقال:هيا بنا. تأبطت ذراعه العريضة الصلبة كجذع شجرة سنديان في مقتبل عمرها، وتمشينا في زقاق الشارع اليتيم، ننتظر مرور سيارة أجرة. مشيت أنا بمحاذاة الشارع، أراقب خطى قدمي وقدميه معا، كانت الخطوات متناسقة كأنها معزوفة إيطالية، وكنت أدعو في صمت أن لا تمر سيارة أجرة من هذا الشارع، الذي خيّم عليه الصمت كما يخيم الموت على نفس الشهيد، وأن ينتقل بيتي الذي يبعد خمس عشرة دقيقة ليصبح في صحراء بادية الشام، وإذ بضوء وضوضاء، وسيارة أجرة تقتطع علي لهفتي. أقلتنا السيارة إلى البيت. ودعته، وصعدت إلى شقتي، وإذ بأمي تنتظرني فاتحة الباب، مكشرة عبوسة، تجمع بين حاجبيها غضب أهل القدس وبغداد معا. "هل رأته يقبلني على جبهتي قبل حين حين أوصلني؟"، أو أنها غريزة الرحم أخبرتها أن ابنتها، وحيدتها، كانت على وشك أن تدنس عفتها في شقتة عصر اليوم؟

ويتبع....

إقرأ أيضاً:
- خطيئة أم (1)